bepul

السعي من أجل البطولة

Matn
Seriyadan طوق الساحر #1
0
Izohlar
O`qilgan deb belgilash
Shrift:Aa dan kamroqАа dan ortiq

الفصل الثامن

بذل تور قصارى جهده لمجاراة مرافق إيريك, وهو يسرع في اللحاق به كلما كان يشق طريقه بين الجماهير. كان يتحرك كالمكوك منذ انطلق من الساحة, كان بالكاد يستطيع رؤية ما يحدث حوله. وهو ما يزال يرتجف في داخله, لا يكاد يصدق أنه تم قبوله في الفيلق, وقد تم تعيينه مرافقاً ثانياً لإيريك.

"لقد قلت لك أيها الصبي, أسرع!" قال فايثغولد.

استاء تور من مناداته "صبي," خاصة من مرافق بالكاد يكبره ببضع سنوات. اندفع فايثغولد في الخروج من الحشد, وكأنه يحاول أن يضيع تور.

"هل هو مزدحم هكذا دائماً؟" صاح تور, في محاولة للحاق به.

"بالطبع لا!" رد فايثغولد. " اليوم ليس فقط أول أيام الصيف, أطول يوم في السنة ولكنه أيضاً اليوم الذي اختاره الملك لزفاف ابنته, و اليوم الوحيد الذي فتحنا فيه بواباتنا للماكلاود. لم يسبق لحشد مثل هذا أن تجمع هنا من قبل, إنه أمر غير مسبوق. لم أكن أتوقع هذا! أخشى أننا سنصل متأخرين!" قال وهو يندفع بين الحشد.

"إلى أين نحن ذاهبون؟" سأل تور.

"نحن في طريقنا للقيام بما يقوم به المرافق الجيد, مساعدة فارسنا في التجهز!"

"التجهز لماذا؟" سأل تور, وهو يلهث. لقد كان يشعر بحرارة أكثر في كل لحظة, ويمسح العرق عن جبينه.

"المبارزة الملكية!"

وصلوا نهاية الحشد أخيراً وتوقفوا عند حرس الملك, الذي تعرف على فايثغولد وأومئ للآخرين بالسماح لهم بالمرور.

انزلقا تحت الحبل وتقدما نحو أرض خالية من الجماهير. لم يكن تور يصدق ذلك, هناك عن قرب كانت ميادين المبارزة. وراء الحبال وقفت حشود المتفرجين, ووقفت أحصنة المبارزة في الاتجاهين صعوداً ونزولاً في الممرات الترابية, كان ذلك أضخم ما شاهده تور في حياته, وقد امتطاها الفرسان بكل أنواع الدروع. فرسان من فرقة الفضة ومن جميع أنحاء المملكتين, من كل مقاطعة, بعضهم في دروع سوداء والبعض الآخر باللون الأبيض, يرتدون الخوذ و الأسلحة من كل شكل وحجم. بدا الأمر أن العالم كله قد نزل إلى ميادين المبارزة هذه.

كان تجري هناك بعض المسابقات, فرسان من أماكن لم يتعرف عليها تور ينافسون بعضهم البعض, رنين الرماح والدروع, يليها دائماً هتاف قصير من الحشد. عن قرب, لم يستطع تور تصديق قوة و سرعة الخيول وصوت الأسلحة الذي ملأ الأرجاء, كان ذلك فنّاً قاتلاً.

"هذا لا يبدو تسلية!" قال تور لفايثغولد وهو يتبعه على طول محيط الميادين.

" هذا لأنه ليس كذلك," صاح فايثغولد, خلال صوت رنين. "إنه أمر جديّ, متنكرٌ بمظهر لعبة. يموت الناس هنا كل يوم, إنها معركة. محظوظ من يرسل بعيداً وهو سالم, إنه فرق بسيط بين الحياة والموت."

نظر تور إلى فارسين كل منهما يستعد للهجوم على الآخر واصطدما بأقصى سرعة. كان حادث تحطم فظيع من معدن على معدن, ثم طار أحدهم وسقط على ظهره, مجرد أمتار عن تور.

شهق الحشد. لم يتحرك الفارس, ورأى تور قطعة من رمح خشبية مغروسة في أضلاعه, ثاقبةً درعه. صرخ من الألم, وانسكب الدم من فمه. ركض عدة مرافقين ليسحبوه خارج الميدان. استعرض الفارس الفائز ببطء, ورفع رمحه للحشود التي هتفت عالياً.

كان تور مندهشاً, لم يكن يتصور أن تكون هذه الرياضة قاتلة.

"عملك هو ما فعله أولئك الفتية الآن," قال فايثغولد. "أنت الآن مرافق, بتعبير آخر مرافق ثاني."

توقف واقترب من تور حتى كان يمكن لتور أن يشم رائحة فمه الكريهة.

"لا تنسى ذلك. أنا أنفذ أوامر إيريك, وأنت تنفذ أوامري. عملك هو مساعدتي, هل تفهم ذلك؟"

أومأ تور مرة أخرى, محاولاً أن يستوعب كل هذا. كان قد تصور كل الذي حدث بطريقة مختلفة في رأسه, ومازال لا يعرف بالضبط ما كان في انتظاره. كان يمكنه رؤية أن فايثغولد يشعر بالتهديد بسبب وجوده, و شعر أنه صنع عدو آخر.

"ليس في نيتي أن أتدخل في كونك مرافق إيريك," قال تور.

ضحك فايثغولد ضحكة قصيرة ساخرة.

"لا يمكن أن تتداخل في عملي أيها الصبي. فقط ابقى بعيداً عن طريقي وافعل ما أقوله لك."

مع قوله, تحول فايثغولد وسارع إلى أسفل سلسلة من المسارات الملتوية وراء الحبال. تبعه تور بأسرع ما يمكن, وسرعان ما وجد نفسه في متاهة من الاسطبلات. كان يسير أسفل ممر ضيق, وأحصنة المبارزة تتهادى من حوله, والمرافقون يقومون برعايتهم بقلق. التف فايثغولد و توقف أخيراً أمام حصانٍ ضخمٍ رائع. كان على تور التقاط أنفاسه, إنه لا يصدق أن جمال وحجم كهذا كان حقيقي. ورغم أنه كان موجود وراء السياج, بدا مستعداً للمعركة.

"واركفين," قال فايثغولد. "حصان إيريك. أو أحد أحصنته, الحصان الذي يفضله للمبارزة. ليس من السهل ترويض الحيوان. لكن إيريك تمكن من ذلك, افتح البوابة." أمر فايثغولد.

نظر تور إليه في حيرة, ثم نظر إلى الخلف على البوابة, في محاولة لاكتشاف ذلك. تقدم إلى الأمام, وسحب قفل البوابة, ولم يحدث شيء. سحب بقوة أكبر حتى تزحزحت, وتأرجح بلطف ليفتح البوابة الخشبية.

حين فعل ذلك وفي ثانية واحدة, صهل واركفين عالياً ثمّ انحنى إلى الخلف. ركل الخشب و كشط طرف إصبع تور, انتزع تور يده وهو يتألم.

ضحك فايثغولد.

"لهذا جعلتك تفتحه, افتحه بسرعة أكبر المرة القادمة أيها الفتى. واركفين لا ينتظر أحداً و خاصة أنت."

كان تور غاضباً, لقد أثار فايثغولد غضبه بالفعل, ولم يكن يعرف كيف سيكون قادراً على التعامل معه.

فتح البوابات الخشبية بسرعة, وهذه المرة ابتعد عن الطريق الذي كان الحصان يضرب حوافره عليه

"هل يجب أن أسمح له بالخروج؟" سأل تور خائفاً, في الواقع لم يكن يريد أن يمسك بلجام واركفين وهو يدوس ويتمايل.

"بالطبع لا" قال فايثغولد. "هذه مهمتي, مهمتك هي أن تطعمه حين أقول لك, و تجرف نفاياته."

أمسك فايثغولد بلجام واركفين و بدأ بقيادته إلى أسفل الاسطبلات. ارتجف تور, وهو يشاهد. لم تكن هذه هي البداية التي كانت تدور في ذهنه. لقد كان يعلم أنه يجب أن يبدأ من مكان ما, ولكن هذه كانت إهانة. لقد كان يتصور الحرب والمجد والمعركة والتدريب مع فتيان بنفس عمره. لم ير نفسه أبداً كخادم تحت الطلب. و كان قد بدأ يتساءل عما إذا كان اتخذ القرار الصحيح.

وأخيراً غادرا الاسطبلات المظلمة وخرجا تحت أشعة شمس هذا اليوم, وعادا إلى ميادين المبارزة. حدق تور بعينين نصف مغمضتين بسبب الضوء, و كان للحظات منسجماً مع هتاف آلاف الناس لمبارزة الفرسان وهم يصطدمون. لم يسمع في حياته مثل هذا الرنين, وقد كانت الأرض ترتعد من تحرك الخيول الضخمة.

كان يوجد العشرات من الفرسان والمرافقين في كل مكان من حوله, يستعدون. المرافقون يصقلون دروع فرسانهم و الأسلحة, ويفحصون السروج والأحزمة و الأسلحة المزدوجة, بينما يمتطي الفرسان جيادهم و ينتظرون أسمائهم حتى استدعاؤها.

"إيلمالكين!" نادى المنادي.

فارس من مقاطعة لم يتعرف عليها تور, ندّ ضخم بدرع حمراء, اندفع خارج البوابة. قفز تور للابتعاد عن الطريق في اللحظة المناسبة. اندفع الفارس أسفل الميدان الضيق, ووجه رمحه إلى درع منافسه. كانت تصدر صوت الرنين, ضرب الفارس الآخر برمحه, وسقط إيلمالكين إلى الخلف وهبط على ظهره. ثم هلل الحشد.

استجمع إيلمالكين قواه على الفور, وقفز على قدميه, وقام بالدوران حتى وصل إلى يد مرافقه, الذي وقف إلى جانب تور.

"صولجاني!" صاح الفارس.

قفز المرافق الذي يقف بجانب تور, وانتزع صولجاناً من حامل الأسلحة وركض به باتجاه وسط الميدان. ركض نحو إيلمالكين, ولكن الفارس الآخر التف مرة أخرى ووجه رمحه. وقبل أن يصل المرافق ويضع الصولجان في يد سيده, اندفع الفارس نحوهم. لم يصل المرافق إلى إيلمالكين في الوقت المناسب. الفارس الآخر وجه رمحه نحو الأسفل, و حين فعل ذلك مسح برمحه رأس المرافق. ترنح المرافق وسقط على وجهه في التراب.

لم يتحرك المرافق, وكان تور يستطيع من مكانه رؤية الدم ينزف من رأسه ويلطخ التراب.

ارتعد تور.

"إنه ليس مشهداً جميلاً, أليس كذلك؟"

التفت تور لرؤية فايثغولد يقف بجانبه, يحدق إلى الخلف.

"تماسك أيها الصبي, هذه معركة. ونحن في وسطها."

ساد الصمت بين الحشد فجأة عندما فُتح الممر الرئيسي للمبارزة. كان تور يشعر بالترقب في أعين الجماهير عندما توقفت جميع المبارزات الأخرى ترقباً لهذا الفارس. من أحد الجوانب ظهر كندريك, يمتطي حصانه ورمحه في يده.

من الجانب الآخر, مقابله سار فارس في درع مميزة لماكلاود.

"الماكجيل ضد الماكلاود, " همس فايثغولد. " لقد كنا في حالة حرب لمدة ألف سنة, وأنا أشك كثيراً بأن هذه المبارزة ستحسم ذلك."

أنزل كل من الفارسين مقدم الخوذة على وجهه, نُفخ بوق مع هتاف الجماهير, وكل منهما استعد لمواجهة الآخر. استغرب تور من مقدار سرعتهم التي جعلت اصطدامهم بهذا الشكل ومع هذا الرنين. وضع تور يديه على أذنيه, وشهق الحشد حين انخفض كل من المقاتلين عن خيولهم.

قفز كلاهما على قدميه وألقيا خوذتهما, حينها ركض مرافقاهما نحوهما, وأعطوهما سيفان قصيران. كلا الفارسين تبارزا بكل ما لديهم من قوة. شاهد تور كندريك وهو يلوح بسيفه ويضرب بضراوة, لقد كان مسحوراً به, كان ذلك شيئاً من الجمال. ولكن فارس ماكلاود كان محارباً جسوراً أيضاً. انطلقا ذهاباً وإياباً واستنفذ كل منهما الآخر دون أن يسقط أحدهما على الأرض.

أخيرا التقت سيوفهما في اشتباك واحد خطير, و أوقع كل منهما سيف الآخر من يده. ركض مرافقهما و الصولجانات في أيديهم, وحين وصل كندريك لصولجانه, ركض مرافق فارس الماكلاود نحوه وضربه من الخلف بسلاحه, ضربه وأسقطه على الأرض, ساد الرعب بين الجماهير.

استعاد فارس ماكلاود سيفه, وتقدم إلى الأمام, موجهاً سيفه نحو حنجرة كندريك, ومثبتاً إياه على الأرض. وقد ترك كندريك بدون خيار.

"أنا أستسلم!" صاح كندريك.

كان هتافات المنتصرين من الماكلاود تقابلها صيحات الغضب من الماكجيل.

"هذا خداع!" صاح صوت من الماكجيل.

"إنه غش!, إنه خداع!" ترددت أصوات صرخات غاضبة.

كان غضب الحشود يزداد أكثر فأكثر, وسرعان ما بدأت موجة من الاحتجاجات تشتت الصرخات الغاضبة, وكلا الجانبين الماكجيل و الماكلاود بدآ بالاقتراب من بعضهما سيراً على الأقدام.

"هذا ليس جيداً," قال فايثغولد لتور, بينما وقفا جانباً, يشاهدان.

بعد لحظات اندلع الحشد و بدأ تسديد اللكمات, لقد أصبحت مشاجرة كاملة. كانت فوضى عارمة. كان الرجال ينقضّون على بعضهم البعض, ويجرون بعضهم على الأرض. تزايد الحشد وكانت المشاجرة ستتحول إلى حرب شاملة.

نفخ بوق وسار الحراس من كلا الجانبين, وتمكنوا من تفريق الحشد. نفخ بوق آخر بصوت أعلى وساد صمت حين نهض الملك ماكجيل عن عرشه.

"لن تكون هناك مناوشات اليوم!" دوى صوته الملكي. "ليس في احتفال اليوم! ولا في بلاط مملكتي!"

ببطء هدأ الحشد.

"إذا كانت هناك منافسة تتمنونها بين مملكتينا, ستكون من قبل مقاتل واحد, بطل واحد, من كل جانب."

نظر ماكجيل إلى ملك ماكلاود الذي جلس على الجانب الآخر, جالساً بين حاشيته.

"هل توافق؟" صاح ماكجيل.

وقف ماكلاود بشكل رسمي.

"أوافق!" ردد ماكلاود.

هلل الحشد من كلا الجانبين.

"اختر أفضل رجل لديك!" صاح ماكجيل.

"رجلي موجود!" قال ماكلاود.

ظهر من جانب ماكلاود فارس ضخم, لم يسبق لتور أن رأى رجل بهذا الحجم, ممتطياً حصانه, كان يبدو كالصخرة, بكل جسده, مع لحية طويلة ووجه متجهم.

 

شعر تور بحركة من جانبه, تقدم إيريك ومشى إلى الأمام. ارتعد تور. إنه بالكاد يصدق أن هذا يحدث في مكان ما حوله, لقد شعر بالفخر وهو بجانب إيريك.

ولكن القلق تغلب عليه وأدرك أن مهمته قد حانت. رغم كل شيء, كان مرافقاً و فارسه على وشك أن يبدأ القتال.

"ماذا يجب أن نفعل؟" سأل تور فايثغولد باندفاع.

"توقف جانباً وافعل كما أقول لك," أجاب فايثغولد.

سار إيريك قدماً نحو ممر المبارزة, وقف الفارسان هناك, يواجه كل منهما الآخر, ويضرب جوادهما الأرض بقوائمهم. خفق قلب تور في صدره بينما كان ينتظر ويراقب.

وكأنه كان دهر, استعد كلاهما.

لم يكن يصدق تور جمال وروعة واركفين, كان مثل مشاهدة قفز الأسماك من البحر. كان الفارس الآخر ضخم أيضاً, ولكن إيريك كان رشيقاً وأنيقاً. اندفع عبر الهواء وأخفض رأسه, ورفع درعه الفضية, كانت من أكثر الدروع المصقولة التي قد رآها تور في حياته.

عندما التقى الرجلان, وجه إيريك رمحه إلى هدف مثالي وانحنى إلى الجانب. لقد تمكن من ضرب الفارس في وسط درعه وتفادي ضربته في وقت واحد.

تراجع الرجل الضخم إلى الوراء, وسقط على الأرض, كان مثل سقوط صخرة ضخمة.

هلل الحشد بينما كان إيريك يلتف عائداً مرة أخرى, رفع مقدم خوذته ووجه رأس رمحه نحو حلق الرجل.

"لقد هزمت!" صاح إيريك.

بصق الفارس.

"أبداً!"

مد الفارس يده إلى حقيبة مخفية على خصره, أخرج حفنة من التراب, وقبل أن يتحرك إيريك, رمى بها في وجهه.

ذُهل إيريك, دخل التراب في عينيه, أسقط رمحه ووقع على الأرض.

حين سقوط إيريك بدأ جمهور ماكجيل يصدر صيحات الاستهجان ويصرخ في غضب. كان إيريك يفرك عيناه بينما لم يضع الفارس أي لحظة, سارع نحوه وضربه بركبته بين ضلوعه.

تلوى إيريك من الألم, وأمسك الفارس صخرة ضخمة, ورفعها عالياً وهو يستعد لإسقاطها على جمجمة إيريك.

"لا!" صرخ تور, وهو يخطو إلى الأمام, غير قادر على السيطرة على نفسه.

شاهد تور برعب بينما كان الفارس يوجه الصخرة. في الثانية الأخيرة, بطريقة ما تدحرج إيريك مبتعداً عن الصخرة. استقر الحجر عميقاً في الأرض, حيث كان ينبغي أن تكون جمجمة إيريك.

استغرب تور من براعة إيريك, كان قد نهض على قدميه مرة أخرى لمواجهة هذا المقاتل القذر.

"سيوف قصيرة!" صرخ الملك.

فجأة وبعجلة حدق فايثغولد في تور وقد اتسعت عيناه.

"أعطني السيوف!" صاح فايثغولد.

ارتعد قلب تور في حالة من الذعر. التفت حوله, يبحث بيأس بين أسلحة إيريك على الحامل.

كانت هناك مجموعة مذهلة من الأسلحة. وأخيراً وجد السيف, أمسك به, ورماه نحو كف فايثغولد.

"صبي غبي! هذا سيف متوسط!" صاح فايثغولد.

تجمد تور في أرضه, كان يشعر بأن المملكة كلها تحدق في وجهه, وبدأ يشعر بالدوار وقلق شديد تحول إلى حالة ذعر, عندما لم يعرف أي سيف يختار. كان بالكاد يستطيع التركيز.

تقدم فايثغولد إلى الأمام, دافعاً تور بعيداً, وأمسك السيف القصير بنفسه. ثم ركض للوصول إلى ممر المبارزة.

شاهد تور فايثغولد وهو يذهب, وقد كان يشعر بأنه عديم الفائدة, كان شعوراً رهيباً. كان يحاول أن يتخيل لو أنه ذهب بنفسه إلى هناك, أمام كل هؤلاء الناس.

وصل مرافق الفارس الآخر إليه أولاً, وكان على إيريك الابتعاد عن الطريق بينما كان الفارس يلوح سيفه نحوه, و بالكاد استطاع النجاة. أخيراً وصل فايثغولد إلى إيريك و وضع السيف القصير في يده. حين فعل ذلك, وجه الفارس سيفه نحو إيريك, ولكن إيريك كان ذكياً جداً. انتظر حتى آخر لحظة, ثم قفز للابتعاد عن الطريق.

بالرغم من ذلك, استمر الفارس في هجومه, راكضاً نحو فايثغولد, الذي أوقفه سوء حظه في المكان الذي كان فيه إيريك. استشاط الفارس غضباً لتفويته إيريك, أمسك فايثغولد من شعره بكلتا يديه, ونطحه في وجهه بقوة كبيرة.

كان هناك صوت تكسير عظام, بينما تدفق الدم من أنف فايثغولد وانهار على الأرض يتلوّى.

وقف تور هناك فاتحاً فمه من الصدمة, ولم يتمكن من تصديق ذلك. كما كانت الجموع التي أطلقت صيحات الاستهجان والغضب.

لوح إيريك سيفه, ولكنه لم يصب الفارس, وكان كل منهما يواجه الآخر مرة أخرى.

أدرك تور فجأة أنه أصبح المرافق الوحيد لإيريك الآن. ماذا كان من المفترض أن يفعل؟ لم يكن مستعداً لذلك. وكانت المملكة كلها تشاهد.

هجم كل من الفرسان على الآخر بشراسة, يتبادلون الضربات. كان من الواضح أن فارس ماكلاود أقوى بكثير من إيريك, ولكن إيريك كان أفضل قتالاً و أسرع و أكثر مرونة. كان يهجم وينخفض ويتصدى, غير قادرٍ على فعل شيء.

أخيراً وقف الملك ماكجيل.

"الرماح الطويلة!" نادى ماكجيل. ارتعد قلب تور, كان يعرف أن هذا يعني بأن مهمته قد حانت.

نظر إلى حامل الأسلحة, وأخذ السلاح الذي بدا له بأنه الأنسب. وبينما كان ينتزع الجلد عن الرمح صلى بأن يكون قد اختار بشكل صحيح.

اندفع نحو الممر وكان يشعر بآلاف العيون عليه. ركض وركض بكل ما بوسعه, وقد أراد بأن يصل إلى إيريك بأسرع وقت ممكن, وأخيراً وضع الرمح في يد إيريك. كان فخوراً بأنه وصل أولاً.

أخذ إيريك الرمح واستعد لمواجهة الفارس مرة أخرى, ليكون محارباً شريفاً كما كان دائماً. انتظر إيريك تسلح الفارس الآخر قبل أن يشن هجومه. سارع تور بعيداً, للخروج من الطريق, غير راغب في تكرار خطأ فايثغولد. ثم سحب جسد فايثغولد المرتخي بعيداً عن الخطر.

بينما كان تور يشاهد, شعر أن هناك شيئاً ما كان خاطئاً. أمسك خصم إيريك برمحه, رفعه بشكل مستقيم, ثم بدأ بإسقاطه بحركة غريبة. بينما كان يفعل ذلك, فجأة, شعر تور أنه يفكر بطريقة لم يسبق له أن فكر بها من قبل. كان حدسه يخبره أن شيئا ما كان خاطئاً. كانت عيناه تركزان على رأس رمح فارس ماكلاود, وبينما كان ينظر عن قرب, لاحظ أنها كانت مفكوكة. كان الفارس على وشك أن يستخدم رأس رمحه ويرميه كالسكين.

و حين أسقط الفارس رمحه, انفصل رأس الرمح واندفع عبر الهواء, متوجهاً نحو قلب إيريك. في ثوان سيكون إيريك في عداد القتلى, لم يكن هناك طريقة لينجو بها في الوقت المناسب. من النظر إلى نصله المسننة, بدت أنها خارقة للدروع.

في تلك اللحظة شعر تور بأنه جسده يشتعل. كان الإحساس نفسه الذي اختبره في الغابة المظلمة عندما قاتل سايبولد. كان قادراً على رؤية طرف النصل في حركة بطيئة, وكان قادرا على الشعور بالطاقة والحرارة ترتفع في داخله.

تقدم إلى الأمام وشعر بأنه أقوى من رأس الرمح. في ذهنه, أراد أن تتوقف. وطلب أن تتوقف, لم يكن يريد أن يرى إيريك يتأذى, وخصوصاً بهذه الطريقة.

"لا!" صرخ تور.

أخذ خطوة أخرى وبسط كفيه, مستهدفاً رأس الرمح.

لقد توقفت وعلقت هناك في الهواء, قبل أن تصل إلى قلب إيريك تماماً.

بعد ذلك سقطت على الأرض.

التفت كلا الفارسين إلى تور, كما فعل الملكان أيضاً, و آلاف المتفرجين. شعر بأن العالم كله يحدق به, و أدرك أن الجميع قد شاهد ما فعله. إنهم جميعاً يعرفون أنه كان غير طبيعي, و أنه لديه نوعاً من القوة التي أنقذت إيريك وغيرت مصير المملكة.

وقف تور متجمداً في مكانه, يتساءل ما الذي حدث للتو.

إنه الآن كان متأكداً أنه ليس مثل هؤلاء الناس, كان مختلفاً.

ولكن من كان؟

الفصل التاسع

وجد تور نفسه منساقاً بين الجماهير يصطحبه ريس, الابن الأصغر للملك وشريكه الجديد. كان كل شيء مبهماً منذ مباراة المبارزة, كل ما فعله هو العودة بذاكرته إلى هناك, أي قوة تلك التي استخدمها لوقف رأس الرمح عن قتل إيريك, لقد جذب اهتمام المملكة بأكملها. تم توقيف المباراة بعد ذلك, ألغيت من قبل الملوك, و تم الدعوة إلى هدنة. كل فارس أخذ جانباً, واندلعت الجماهير في ضجة, سيق تور من ذراعه يوجهه ريس.

لقد سيق في موكب ملكي بين الجماهير, كان ريس يجره من ذراعه الطريق كله. كان تور ما يزال يرتعش من أحداث اليوم. إنه لا يكاد يفهم ما قام به لتوه هناك, وكيف سيطر على الأشياء. كان يريد فقط أن يكون مجهولاً, مجرد فرد من فيلق الملك. لا يريد أن يكون محور الاهتمام.

أسوأ من ذلك أنه لم يكن يعرف إلى أين يتم اقتياده, إذا كان ذاهبا ليعاقب بطريقة أو بأخرى للتدخل. لقد أنقذ حياة إيريك بالطبع ولكنه تدخل أيضاً في معركة الفرسان, الأمر الذي كان ممنوعا على المرافقين. لم يكن متأكداً مما إذا كان سيكافئ أو يوبخ.

"كيف فعلت ذلك؟" سأل ريس بينما كان يجره من يده. شعر تور بأنه عاجز وهو يحاول استيعاب كل شيء بنفسه. كانت الجماهير تحدق فيه ببله, كما لو كان شخصاً استثنائياً.

"لا أعرف," أجاب تور بصدق. "أردت فقط أن أساعده...وحدث ما حدث."

هز ريس رأسه.

"أنت أنقذت حياة إيريك. هل أنت مدرك لذلك؟ إنه أعظم فارس لدينا, و أنت أنقذته."

شعر تور بالتحسن حين كان يسمع كلمات ريس, كان يشعر بموجة من الارتياح. لقد أحب ريس من اللحظة التي رآه بها, كان يشعره بالطمأنينة وهو يتكلم بثقة دائماً. حين تمعن في كلامه, أدرك أنه لن يعاقب بعد كل هذا. ربما بطريقة ما ينظرون إليه بأنه بطل.

" لم أفعل شيئاً," قال تور. "أنا كنت أريد له أن يعيش فقط. كان ذلك مجرد... شيء عادي, لم يكن أمراً مهماً."

"لم يكن أمراً مهماً؟" ردد ريس. "أنا لا يمكنني أن أفعل مثل ذلك, لا أحد منا يمكن أن يفعل."

انعطفا على زاوية و رأى تور أمامه قلعة الملك, على امتداد عينيه, ترتفع عالياً في السماء. بدت ضخمة جداً. كان جيش الملك واقفاً في استعداد, وكان الطريق المرصوف بالحصى يؤدي إلى جسر, حاجزاً الجماهير على الجانبين. تنحى الحراس جانباً للسماح لريس وتور بالمضي. اتبعا اثناهما الطريق, والجنود على الجانبين وصولاً إلى أبواب مقوسة ضخمة, مغطاة بنتوءات حديدية. أربعة جنود سحبوا الأبواب لفتحها وتنحوا جانباً باستعداد. لم يستطع تور تصديق المعاملة التي كان يتلقاها, لقد شعر كما لو كان فرداً من العائلة المالكة.

حين دخلا القلعة أُغلقت الأبواب ورائهم. كان تور مندهشاً مما رآه أمامه, كان كل شيء في الداخل هائلاً, جدران حجرية سميكة مرتفعة وواسعة وغرف مفتوحة. حوله المئات من أفراد البلاط الملك, يمشون على أقدامهم في حركة نشيطة. كان يشعر بالضجة و الحماس في الأرجاء, وتحولت كل العيون إليه وكانت تنظر إليه حين دخل. كان محور اهتمام الجميع.

احتشد جميعهم على مقربة منه, وبدا أنهم ينظرون باستغراب أكثر حين ذهب مع ريس أسفل ممرات القلعة. لم يسبق لتور أن رأى مثل هذا العدد من الناس يلبسون مثل هذه الملابس المبهرجة. لقد رأى العشرات من الفتيات من جميع الأعمار, يرتدين ملابس مفصلة, متشابكات الأيادي ويهمسون في آذان بعضهم البعض و يضحكون في وجهه أينما ذهب. شعر تور بالخجل ولم يكن يستطيع معرفة إذا كانوا يحبونه أو يسخرون منه, لم يكن معتاداً أن يكون محور الاهتمام وخاصة في بلاط الملك, وبالكاد كان يستطيع السيطرة على نفسه.

"لماذا يسخرون مني؟" سأل تور.

التفت ريس نحوه وضحك. "إنهم لا يضحكون عليك," قال ريس." إنهم معجبون بك, أنت مشهور."

"مشهور؟" سأل بذهول. "ماذا تقصد؟ أنا دخلت إلى هنا للتو."

ضحك ريس وقبض بيده على كتفه, ومن الواضح أنه كان مستمتعاً بوجود تور.

"الكلمات تنتشر في البلاط الملكي بأسرع مما تتخيل. وقادم جديد مثلك لا يأتي كل يوم."

"إلى أين نحن ذاهبون؟" سأل تور, مدركاً أنه كان يؤخذ إلى مكان ما.

"والدي يريد مقابلتك," قال ذلك بينما كان ينعطف إلى ممر جديد.

لم يستطع تور استيعاب ذلك.

"والدك؟ تقصد... الملك؟" فجأة أصبح متوتراً. "لماذا يريد مقابلتي؟ هل أنت متأكد؟"

ضحك ريس.

" أنا متأكد تماماً, توقف عن كونك بتلك العصبية. هو والدي فقط."

"فقط والدك؟" قال تور بذهول. "إنه الملك!"

" الأمر ليس بذلك السوء, لدي شعور أنه سيكون لقاء سعيد. لقد قمت بإنقاذ حياة إيريك."

كان تور متوتراً للغاية, ويداه مبللتان بالعرق, فتح باب كبير آخر ودخلا إلى قاعة واسعة. كان ينظر برهبة إلى السقف المقوس كان عالياً للغاية وقد غطته النقوش. اصطفت الجدران مع نوافذ زجاجية مقوسة وملونة, وكان الناس أكثر اكتظاظاً في هذه الغرفة, و كأنه كان هناك الآلاف من الناس. امتدت طاولات المآدب عبر الغرفة على امتداد العين, و جلس الناس على مقاعد طويلة لا نهاية لها, يتناولون الطعام. بين تلك الطاولات كان هناك ممر ضيق مع سجادة حمراء طويلة, تؤدي إلى منصة العرش الملكي. افترق الحشد بعيداً بينما سار ريس وتور على السجادة نحو الملك.

"إلى أين تظن نفسك آخذاً هذا الصبي؟" جاء صوت عدائي.

نظر تور ورأى رجلاً يقف أمامه, أكبر منه ببضعة سنوات, مرتدياً الزي الملكي. من الواضح أنه كان أمير, معترضاً طريقه بوجه متجهم.

"إنها أوامر والدي," رد ّريس باندفاع. "الأفضل أن تبتعد عن طريقنا, إلا إذا كنت تريد أن تتحداه."

لم يتزحزح الأمير عن موقفه, ينظر إلى تور كما لو كان ينظر إلى شيء حقير, لم يحبه تور أبداً. كان هناك شيء لم يجعله يثق به, بنظراته المتعجرفة و ملامحه القاسية.

"هذه ليست قاعة للعامّة," أجاب الأمير. "يجب أن تترك الحثالة خارجاً, من حيث جاءت."

شعر تور بضيق في صدره. كان من الواضح أن هذا الرجل يكرهه, ولم يكن لديه فكرة عن السبب.

"هل يجب أن أخبر أبي بأنك قلت ذلك؟" دافع ريس وهو ما يزال واقفاً مكانه.

التفت الأمير على مضض واندفع بعيداً.

"من كان هذا؟" سأل تور ريس وقد واصلا سيرهما.

"لا تكترث له." أجاب ريس. " إنه أخي الأكبر فقط أو أحد إخوتي, جاريث. الأكبر سنّاً. حسناً ليس الأكبر حقاً, إنه أكبر إخوتي الشرعيين فقط. كندريك الذي التقيته على أرض المعركة هو الأكبر حقاً.

"لماذا يكرهني جاريث؟ أنا لا أعرفه حتى."

"لا تقلق, هو لا يكرهك أنت فقط, إنه يكره الجميع. وكل من يتقرب من العائلة, يراه تهديداً. لا تكترث له, هناك العديد من أمثاله."

بينما واصلا السير, كان تور يشعر بالامتنان بشكل أكبر لريس, و أدرك أنه أصبح صديقاً حقيقياً.

"لماذا أنت واقف بجانبي؟" سأل تور مستغرباً.

تجاهله ريس.

" لقد أمرت أن أحضرك إلى أبي. إلى جانب ذلك, أنت شريكي. وقد مضى وقت طويل منذ جاء شخص بنفس عمري إلى هنا وكان جديراً بالثقة."

"ولكن ما الذي يجعلني جديراً بالثقة؟" سأل تور.

"إنها روح القتال التي تملكها, إنها لا يمكن أن تكون مزيفة."

شعر تور كما لو أنه يعرفه منذ زمن, كان شعوراً غريباً, ولكن في بعض الجوانب شعر كما لو أن ريس شقيقه. لم يكن لديه شقيق من قبل, ليس شقيقاً حقيقياً, لقد كان شعور جيد.

" إخوتي الآخرون ليسوا مثله, لا تقلق," قال ريس وقد توافد الناس نحوهم, في محاولة لإلقاء نظرة على تور. "أخي كندريك, الذي التقيته, أفضلهم. هو أخ غير شقيق ولكنني أعتبره شقيقي الحقيقي أكثر من جاريث. كندريك بمثابة والدي الثاني. سيكون لك كذلك أيضاً, وأنا متأكد من ذلك.

 

لقد فعل كل شيء من أجلي ومن أجل الجميع, إنه الأكثر شعبية من عائلتنا المالكة لدى الناس. إنها خسارة كبيرة أنه غير مسموح له أن يصبح الملك."

"أنت قلت إخوة." لديك أخ آخر أيضاً؟" سأل تور.

أخذ تور نفساً عميقاً.

"نعم لدي أخ آخر. نحن لسنا قريبين من بعضنا البعض, للأسف غودفري ضائع في البارات مع العوام. إنه ليس محارباً مثلنا, هو لا يرغب في ذلك. إنه حقاً لا يرغب في أي شيء, إلا البارات والسيدات."

فجأة, ظهرت فتاةٌ في طريقهم فتوقفا لوقت قصير. كان تور واقفاً هناك مذهولاً. ربما كانت أكبر منه بسنتين, كانت تحدق بعينين لوزيتين زرقاوتين, وشعر أحمر طويل. كانت ترتدي فستاناً من الساتان الأبيض مطرز بالدانتيل, وعيناها متوهجتان بالمرح و الذكاء. لقد ركزت بأعينها عليه وسجنته فيهما تماماً. لم يكن يستطيع أن يتحرك حتى ولو أراد ذلك, إنها كانت أجمل فتاة رآها في حياته.

ابتسمت وظهرت أسنانها البيضاء المثالية, وكأنها لم تسحره بالفعل, لقد سجنته بابتسامتها أيضاً, وأشعلت قلبه بإشارة واحدة.

وقف تور أمامها, غير قادر على الكلام و غير قادر على التنفس. كانت هذه المرة الأولى في حياته التي يشعر بها على هذا النحو.

" ألن تقوم بتقديمي؟" سألت الفتاة ريس. دخل صوتها إلى قلب تور لقد كان أكثر حلاوة من شكلها.

تنهد ريس.

"وهذه أختي," قال مع ابتسامة. "جوين, وهذا تور. تور, جوين."

انحنت جوين.

"كيف حالك؟" سألت مع ابتسامة.

وقف تور هناك, متجمداً. وأخيراً ضحكت جوين.

" لا تتكلم كثيراً في وقت واحد, من فضلك," قالت وهي تضحك.

احمر وجه تور خجلاً وتنحنح.

"أنا...أنا... آسف" قال, "أنا تور."

ضحكت جوين.

"أعرف ذلك بالفعل," قالت والتفتت إلى شقيقها. " ريس, لدى صديقك طريقة مختلفة في الكلام."

"والدي يريد مقابلته," قال وقد نفذ صبره. " الوقت ينفذ منا."

كان تور يريد التحدث إليها, ليقول لها كم كانت جميلة, وكم كان سعيداً بلقائها وأنه ممتن للتعرف عليها. ولكن لسانه رُبط تماما. ولم يكن متوتراً مثل الآن في حياته. وبدلاً من ذلك, كل ما نطق به لسانه كان "شكراً لك."

ضحكت جوين, ضحكت بصوت أعلى.

"شكرا لك, لماذا؟" سألت. برقت عيناها, كانت تستمع بذلك.

شعر تور بالخجل مرة أخرى.

".. لا أعرف," غمغم تور.

ضحكت جوين أكثر, وشعر تور بالمهانة. دفعه ريس بمرفقه, وحثه على متابعة السير. بعد خطوات قليلة, أدار تور رأسه ورأى أن جوين لا تزال واقفة هناك, تحدق فيه.

شعر تور بقلبه ينبض بسرعة. إنه يريد التحدث إليها, و يعرف كل شيء عنها. كان محرجاً جداً لأنه لم يستطيع الكلام. لكنه لم يقابل فتيات من قبل, حقاً في قريته الصغيرة لم يقابل فتاة بهذا الجمال بالتأكيد. لم يسبق له أن تعلم ما الذي يجب أن يقوله أو كيف يتصرف.

"إنها تتكلم كثيراً" قال ريس, وهم يتابعون السير ويقتربون من الملك. "لا تهتم لها."

"ما اسمها؟" سأل تور.

نظر إليه تور نظرة مرحة. "لقد قالت لك للتو!" قال ضاحكاً.

"أنا آسف... أنا.. آه... لقد نسيت," قال تور محرجاً.

"جويندولين. ولكن الجميع يدعوها جوين."

جويندولين. أعاد تور اسمها في ذهنه مراراً وتكراراً. جويندولين, جوين, لم يكن يريد نسيان اسمها. وتساءل إذا كانت ستسنح له الفرصة برؤية وجهها مرة أخرى. تصور أنه من المرجح أنه لن يراها مرة أخرى, وهو من عامة الشعب. لقد أزعجه التفكير بهذا.

أصبح الحشد أكثر هدوءً بينما أدرك تور أنه كان على مقربة من الملك. جلس الملك ماكجيل على عرشه, يرتدي عباءته الأرجوانية الملكية, ويضع تاجه. كان يبدو مهيباً.

ركع ريس أمامه, وسكت الحشد. حذا تور حذوه. وساد الصمت أرجاء الغرفة.

تنحنح الملك بصوت عميق, وحين تحدث دوى صوته في جميع أنجاء الغرفة.

"تورجرين من السهول من المنطقة الجنوبية من المملكة الغربية," بدأ كلامه. "هل تدرك أنك اليوم قد تدخلت في مبارزة ملكية؟"

ارتعد تور وهو لا يكاد يعرف كيف يجيب, إنها ليست بداية جيدة. وتساءل عمّا إذا كان سيتم معاقبته.

" أنا آسف يا مولاي," قال. "لم أكن أقصد ذلك."

انحنى ماكجيل إلى الأمام ورفع حاجباً واحد.

"لم تقصد ذلك؟ هل تقول أنك لم تقصد إنقاذ حياة إيريك؟"

كان تور مرتبكاً, وأدرك أنه كان قد جعل الأمور أسوأ.

"لا يا مولاي, أنا لم أقصد أن.."

"إذاً أنت تعترف أنك لم تقصد التدخل؟"

شعر تور بأن قلبه يعصف في صدره. ماذا يمكن أن يقول؟

"أنا آسف يا مولاي. أعتقد أنني... كنت أريد المساعدة فقط."

"تريد المساعدة؟" دوى صوت ماكجيل, ثم انحنى إلى الخلف وضحك ضحكة مدوية.

"أردت أن تساعد! إيريك! أعظم وأشهر فارس لدينا!"

انفجر الحاضرون بالضحك, احمر وجه تور من الخجل, لقد كان هذا كثيراً ليوم واحد. هل فعل شيئاً خاطئاً هنا؟

"قف واقترب أيها الصبي," أمر ماكجيل.

نظر تور بدهشة لرؤية الملك يبتسم باستمرار, وتأمله بينما كان يقف ويقترب منه.

"لقد لمحت ملامح النبل في وجهك. أنت لست صبياً سوقياً. لا, لست سوقياً على الإطلاق..."

تنحنح ماكجيل.

"إيريك فارسنا الأكثر شعبية, ما قمت به اليوم هو شيء عظيم. شيء عظيم بالنسبة لنا جميعاً. وكمكافأة لهذا اليوم, سأجعلك فرداً من عائلتي, مع كل الاحترام والتكريم كأي ولد من أولادي."

اتكأ الملك وصاح: "فليكن ذلك معلوماً!"

هناك جاء هتاف ضخم ودوس أقدام من جميع أنحاء الغرفة.

نظر تور حوله, مرتبكاً, وغير قادر على استيعاب ما يحصل. فرد من أسرة الملك. كان ذلك أكثر من أحلامه الجامحة. كان كل ما يريده أن يكون في الفيلق. الآن, إنه مغمور بالامتنان والفرح, إنه بالكاد يعرف ما يجب القيام به.

قبل أن يتمكن من الرد, فجأة اندلعت الغرفة في الغناء والرقص والولائم, والناس يحتفلون في كل مكان حوله. نظر تور إلى الملك, ورأى الحب في عينيه والتوقير والاستحسان. لم يشعر من قبل بمحبة الأب في حياته. والآن هو هنا, ليس محبوباً فقط من قبل رجل عادي, ولكن من قبل الملك. في يوم واحد, كان عالمه يتغير. كان يصلي فقط ليكون هذا حقيقياً.

*

شقت جويندولين طريقها خلال الحشد, راغبة في رؤية الصبي قبل أن يخرج من البلاط الملكي. إنه تور. ازدادت نبضات قلبها عند التفكير به, وهي لا تستطيع إبعاد اسمه عن عقلها. لم تكن قد توقفت عن التفكير به منذ اللحظة التي قابلته بها. كان أصغر منها ولكن ليس أكثر من سنة أو سنتين, وبجانب ذلك كان يبدو أكبر من سنه, وأكثر نضجاً من الآخرين. من اللحظة التي رأته بها, شعرت أنها تعرفه من قبل. وقد رأت في عينيه أنه كان يشعر بذلك أيضاً.

بالطبع, إنها لا تعرف الصبي حتى. لكنها شاهدت ما قام به في ميدان المبارزة, وقد رأت كم كان أخوها الصغير معجباً به. لقد شاهدته منذ ذلك الحين واستشعرت أن لديه شيئاً خاصاً, شيئاً مختلفاً عن الآخرين. وحين قابلته تأكد لها كل ذلك. كان مختلفاً عن كل تلك الأنماط الملكية من الناس التي ولدت ونشأت هنا, كان هناك شيء حقيقي ممتع فيه. كان دخيلاً, من عامة الشعب. ولكنه غريب مع تأثير ملكي, كما لو كان فخوراً جداً بما كان عليه.

مشت جوين إلى حافة الشرفة العلوية ونظرت إلى الأسفل. في الأسفل كان البلاط الملكي ممتداً أمامها ورأت لمحة لتور وهو يخرج وريس إلى جانبه. كانوا متوجهين إلى الثكنات بالتأكيد, للتدريب مع الفتيان الآخرين. شعرت بالأسف, متسائلة بالفعل, تخطط كيف يمكن أن ترتب لرؤيته مرة أخرى.

كانت جوين تريد أن تعرف المزيد عنه, يجب أن تجد طريقاً لذلك. ربما يجب أن تتحدث إلى الامرأة الوحيدة التي كانت تعرف كل شيء عن أي شخص أو أي شيء يجري في المملكة, والدتها.

عادت جوين وشقت طريقها خلال الحشد, وتسير عبر الممرات الخلفية للقلعة التي كانت تحفظها عن ظهر قلب. وبدأت تفكر, لقد كان يوماً مذهلاً. أولاً, الاجتماع صباحاً مع والدها, وقراره الذي صدمها باختيارها لحكم المملكة. لقد فوجئت بذلك, ولم تكن تتوقع ذلك أبداً طوال حياتها. لقد كانت بالكاد تستطيع استيعاب ذلك. كيف يمكن لها أن تحكم مملكة؟ طردت الفكرة من رأسها, على أمل أن لا يأتي ذلك اليوم أبداً. بعد كل شيء, كان والدها سليماً وقوياً, وكانت تريد له أن يعيش أكثر من أي شيء. أن يبقى هنا معها وأن يكون سعيداً. لكنها لم تستطع ابعاد التفكير في الاجتماع من عقلها. في مكان ما هناك, كان قد غرس في عقلها أن يومً ما, في وقت ما حين ينبغي أن يأتي ذلك اليوم, ستكون التالية, خليفة والدها. هي وليس أي من أشقائها. لقد أرعبها ذلك, ولكنه أعطاها إحساساً بالأهمية والثقة, لم تشعر به في أي وقت مضى. لقد وجدها مناسبة للحكم, لتكون الأكثر حكمة منهم, و تساءلت لماذا.

لقد أقلقها ذلك في بعض النواحي, و قد كانت متأكدة أن ذلك سيثير الكثير من الاستياء والحسد منها, فهي فتاة وقد اختيرت للحكم. هي بالفعل يمكنها أن تشعر بحسد جاريث لها, وقد أخافها ذلك. كانت تعرف شقيقها الأكبر بمناوراته وألاعيبه الرهيبة وعدم تسامحه المطلق. لن يوقفه شيء عن الحصول على ما يريده, و قد كرهت فكرة أنها أصبحت عائقاً أمام هدفه. لقد حاولت التحدث معه بعد الاجتماع, لكنه لم ينظر في وجهها حتى.

ركضت جوين إلى أسفل الدرج الحلزوني, وصوت حذائها يتردد على الحجر. سارت في ممر آخر, مجتازة الكنيسة الخلفية, من خلال باب آخر, سارت بين عدة حراس و دخلت غرفة القلعة الخاصة. كانت يجب أن تتحدث إلى والدتها, وعلى الأغلب أنها كانت ترتاح هناك. لم يعد لديها قدرة تحمل كبيرة لهذه الأمور الاجتماعية الطويلة بعد الآن, كانت تحب أن تخرج إلى غرفة خاصة وترتاح قدر المستطاع.

اجتازت جوين حارساً آخر, ونزلت إلى قاعة أخرى, ثم توقفت أخيراً أمام باب غرفة ملابس والدتها. لقد كانت على وشك فتحه, ولكنها توقفت. لقد سمعت خلف الباب أصواتاً بعيدة, ترتفع, واستشعرت شيئاً خاطئاً. كانت والدتها تجادل أحداً. استمعت عن كثب, وسمعت صوت والدها. إنهم كانوا يتجادلون. ولكن لماذا؟

عرفت جوين أنه لا يجب عليها الاستماع, لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها. تقدمت وبلطف دفعت باب البلوط الثقيل, وشدته من مطرقته الحديدية. لقد فتحت شق فقط ووقفت تستمع.